كلمة العدد

 

المنهج النبويّ في رمضان

 

 

 

  

 

  

 

 

 


       شهر رمضان ، هو شهر القرآن ؛ لأنه فيه أُنْزِلَ : «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنـٰـتٍ مِنَ الْهُدٰى والْفُرقَانِ» (البقرة/285)، وفيه كان يتم مدارسة النبي إيّاه مع جبريل عليه السلام ؛ فكان يعيش فيه مع القرآن وبه ، تاليًا له ، متدبرًا إيّاه ، غائصًا على معانيه ، متوفرًا على ما فيه من أحكام وآيات، ومعانٍ وإشارات . وكان القرآن الكريم سَيْطَرَ على حياته ، وأَخَذَ الجزءَ الأوفَى منها ، فكان يتلوه في عامة حياته أيضًا آناءَ الليل وأطرافَ النهار، ولاسيّما لأنّه كان مأمورًا بذلك «ورَتِّلِ القُرآنَ تَرْتِيْلاً» (المزمل/4) . وكان القرآن مُتَمَثِّلاً في عاداته وسلوكه؛ لأنه لم يكن تاليًا له بلسانه ، وإنما كان مُتَلَقِّيًا له بكل ما عنده من وعي وفكر. ولاغرو فقد كان خلقُه القرآن كما قالت سيدتنا عائشة –رضي الله عنها – فيما رواه الإمام مسلم – رحمه الله – في صحيحه؛ ومن ثم فكان إذا مَرَّ في تلاوته وتدبّره بآية فيها دعاء، توقّف ودعا ؛ وإذا مَرَّ بآية فيها استغفار، استغفر، أو بتسبيح سَبَّحَ ؛ وإذا مَرَّ بآية فيها تمثيل لموقف من مواقف يوم القيامة ذي شدّة وهول ، تأثـّر به كثيرًا ، واستذكر جلالَ الموقف ، وهيبتَه ورهبتَه، واستشعر الخوفَ من مقام ربّه ؛ ففي الصحيحين أن سـيــدنا عبد الله بن مسعــود – رضي الله عنه – لما قَرَأَ جزءًا من سورة النساء ، وبلغ قولَه تعالى : «فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هـٰـؤُلاَءِ شَهِيدًا» (النساء/41) . قال له الرسول «حسبُكَ الآن» وبدأت عيناه تذرفان ؛ لأنه تَذَكَّرَ الموقفَ العظيمَ.

       وقد نَصَّ القرآنُ على أن المؤمنين شأنهم مع القرآن أنه إذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قلوبهم: «الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِم آيـٰـتُه زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» (الأنفال/2). «واللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ حُلُودُ الَّذِيْنَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثـُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللهِ ذٰلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِه مَنْ يَّشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَالَه مِنْ هَادٍ» (الزمر/23) .

       وإذا كان عامّةُ المؤمنين هذه حالهم ، فكيف بسيد المؤمنين ورسول رب العالمين وإمام المتقين محمد ؛ فكان أكثرهم تفاعلاً مع معاني القرآن ومضامينه وتأثـّرًا منها ومُتَلَبِّسًا بكيفياتها. رَوَى ابنُ أبي حاتم – رحمه الله – في تفسيره أنه خرج في بعض الليالي يستمع للقرآن يُتْلَى في بيوت الأنصار، فسمع ذات يوم امرأةً عجوزًا تقرأ سورة الغاشية وتُرَدِّد آياتها وتبكي: «هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ» (الغاشية/1) فأخذ يبكي ويقول : نعم أتاني .. نعم أتاني.

       ورُوِيَ عن الإمام مالك بن أنس – رحمه الله – إمام دارالهجرة – أنه كان إذا دَخَلَ رمضانُ ترك الفتيا والتحديث والتدريس ، وكان ينصرف إلى القرآن يتلوه ويتوفّر على تدبّره ، ويقول: هذا شهر القرآن ، هذا شهر القرآن .

       ورُوِي عن كثير من الأئمة والمجتهدين والمحدثين وعباد الله الصالحين أنهم كانوا يختمون القرآنَ في رمضان ستين ختمةً أي كل يوم ختمتين.

       وكان الجودُ أكبرَ الخصال التي كان يتكئ عليها رسولُ الله في رمضان بصفة خاصّة كما كانت لها عنده – – أهمية خاصّة في غير رمضان . فجاء عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: «كان رسولُ الله أجودَ الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان ، حين يلقاه جبريلُ ، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان ، فيدارسه القرآن ؛ فلَرسولُ الله – حين يلقاه جبريل – أجود بالخير من الريح المرسلة» (متفق عليه ، صحيح البخاري 6/1902، و 3220، و2554، و4997؛ وصحيح مسلم 2308) . فكان الجود والإنفاق الصفةَ المتجليةَ في حياته في رمضان ، وكان أوضح معالم سيرته الإعطاء والسخاء، وكأنه بسلوكه عَلَّمَ أمتَه أن تتدرب على البرّ والتقوى والإنفاق على المحتاجين والفاقدين لوسائل الحياة ، في شهر البر والكرم أكثر من غيره من الشهور ؛ لأنّه يرقق القلوب ، ويُلَيِّن الطبائع للانصياع للعبادة والطاعة ، بشكل لايتأتي لغيره من العبادات .

       والحديث المذكور خَرَّجَه أحمد أيضًا وزاد: «لايُسْأَل عن شيء إلاّ أعطاه» (المسند 1/230 و 326) فينبغي للمسلم أن يأتسي برسول الله وصحابته رضي الله عنهم والزاهدين الجوادين من السلف الذين كانوا يبغضون الشحَّ بغضَ أحدنا اليومَ إنفاقَ درهم أو دينار أو روبية في سبيل الله . إن رمضان شهر التدريب على الخير والفضيلة وتطهير النفس من الأدران التي ترين القلوبَ والطبائع ، فتمنعه عن الخير والبرّ والإنفاق . الجودُ هو الأسوة النبوية الغرَّى التي يجب على كل من يدّعي حبّ النبي أن يأتسي بها ويحاكيها في حياته . لو اتّبع المسلمون نبيَّهم في هذه الأسوة الشريفة اتِّباعًا صحيحًا لما بقي في المجتمع الإسلامي فقير يتكفّف الناسَ ، ولعاد جميعُ الفقراء مكفولي الحاجة .

       والإكثارُ من قيام الليل في رمضان ، وكذلك كثرة التهجد ، والدعاء والبكاء ، والذكر والتذكّر كان السمةَ البارزةَ للنبي ؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت : «كان رسول الله إذا دخل العشر أحيى الليل ، وأيقظ أهله، وشدّ المئزر» (متفق عليه : صحيح البخاري 4/233، 234 ؛ صحيح مسلم 1174). وكان ذلك دأبَه طوالَ رَمَضَانَ وإن كان ليبالغ فيه في العشر الأواخر؛ فكان يبيت لياليَه متبتلاً متخشعًا منيبًا مُطَّرِحًا على عتبة ربّه ؛ بل كان ذلك منهاجَه حتى في كل ليلة من ليالي السنة فكيف بليالي رمضان وأيّامه التي لايكتنه أيٌّ قيمتَها اكتناهَه هو ؟. روى ابنُ مَرْدَوَيه أن بلالاً – رضي الله عنه – مَرَّ على رسول الله سحرًا يؤذنه بصلاة الفجر ، فسمعه يقرأ : «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمـٰـوٰتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ والنَّهَارِ لآيـٰـتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرونَ اللهَ قِيَامًا وقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمـٰـوٰتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هذَا بَاطِلاً سُبْحـٰـنَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ» (آل عمران/191). وبعد أن فَرَغَ من صلاته قال لبلال – رضي الله عنه – وهو يبكي : «لقد نَزَلَ عليَّ الليلةَ قولُه تعالى، ثم تلا هذه الآيات السابقة ، ثم قال : «ويلٌ لمن قَرَأَهَا ولم يَتَدَبَّرْها» .

       فكان يبيت لياليَ رمضان ويقضي أيامَه في الذكر والاستغفار والمناجاة ، وكأنه بعمله وسلوكه وأسوته الحسنة هذه كلها كان يحضّ أمتَه ويُعَلِّمهم تقديرَ رمضان واحترامَه وتجديدَ العهد والعقيدة والإيمان ؛ حتى يصبح كلُّ فرد منها وكأنه وُلِدَ ولادةً جديدةً ، وكأنه تغيَّر عما كان عليه في ما قبل رمضان ، وإلاّ فإنه كان قد غُفِر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر؛ ولكنه كان عبدًا شكورًا لله ، وكان مُحَرِّضًا أمَّته على اغتنام فرصة رمضان . وكان السلف – رحمه الله – يستعدّون لاستقبال رمضان ، ويتأهّبون للعبادة فيه، وينتظرون قدومَه ، ويكثرون من الدعاء أن يبلِّغهم الله تعالى رمضانَ .

       قال الحافظ ابن رجب – رحمه الله – في كتابه «لطائف المعارف» : «إنَّ قومًا من السلف باعوا جاريةً لهم ، فلما قرب رمضانُ رأت أهلَها الذين اشتروها يتأهَّبون له ويستعدّون بالأطعمة وغيرها؛ فَسَأَلَتْهم: ماذا يصنعون؟ قالوا : نتهيّأ لصيام رمضان . فقالت : وأنتم لاتصومون إلاّ رمضانَ ؟! لقد كنتُ عند قوم كلُّ زمانهم رمضان ، رُدُّوني عليهم . وبَاعَ الحسنُ بنُ صالح أحدُ الفقهاء العبّاد جاريةً له . فلمّا انتصف الليلُ قَامَتْ ، فنَادَتْهُمْ : يا أهلَ الدار الصلاة ، الصلاة. قالوا: طلع الفجر؟ قالت : وأنتم لا تصلُّون إلاّ المكتوبة ؟! ثم جاءت إلى الحسن ، فقالت: بِعْتَنِي إلى قوم سوء لايصلّون إلاّ المكتوبة، رُدَّني، رُدَّني». (لطائف المعارف، ص:278).

       فالمسلم مُطَالَبٌ أن يأخذ نفسَه بأسوة رسول الله في رمضان ، كما هو مُطَالَبٌ بذلك في غيره ، فَلْيُبَالِغْ في الاجتهاد في أن يتخرَّج في مدرسة الصيام إنسانًا سويًّا مرضيًّا منشودًا لدى ربّه . وذلك لايَتَأَتَّىٰ إلاّ بمراعاة آداب الصيام واحترام رمضان واغتنام كل لحظة من لحظاته . وإذا صَنَعَ ذلك وصَامَ كما أُمِرَ ، واغتنم ساعاته كما عُلِّمَ ، واستفاد من نهاره ولياليه كما وَرَدَ في الأحاديث ، يعود مؤمنًا متَّقيًا نقيًّا من الذنوب كما يُنَقَّى الثوب من الدنس والرجس .

       والصوم من خصائصه أنه يُخَرِّجُ الصائمَ حاملاً ملكةَ الصبر عن الشهوات كلها المفسدة للأخلاق ، المدمرة للإنسانية ، كما أنه يُرَبِّى فيه ملكةَ الرأفة والعطف على الفقراء والمساكين ؛ لأنه إذا جاع وعطش أدرك معنى الجوع والعطش لدى غيره من المحرومين . وهو يعلِّم الصائمَ الأمانةَ ؛ لأن الجوع والعطش سرٌّ عظيم حَافَظَ عليه ؛ حيث إنه لو تَنَاوَلَ الماءَ والطعامَ مختفيًا لما عَلِمَ بذلك أحدٌ إلاّ الله ، فامتنع عنهما مدركاً أنّ الله يراه في كل مكان ؛ فمن حَافَظَ على هذا السرّ فسيحافظ على الأمانة أيًّا كان نوعها؛ ومن هنا يتخرّج الصائم أيضًا على مراقبة الله في جميع أعماله ؛ لأنه تَرَكَ ما كان يرغب فيه من الطَّيِّبات من الأطعمة والفواكه ، وما كان يغريه من الشهوات واللذات، مراقبةً له تعالى في أيام رمضان كاملاً ؛ فسهل عليه محاسبة نفسه في غيره من شهور السنة ، فمن سني الحياة كلها . كما أن الصائمَ يتخرج متقيدًا بالنظام في أعماله وأوقاته وساعاته ؛ فيحترز من الفوضى في كل جانب من جوانب الحياة بعد ما يتعود الاحترازَ منها طيلةَ شهر كامل في رمضان ؛ فهو لايفطر قبل ميعاد الإفطار بثانية ، ولا يبدأ صيامَه قبل ميعاده ، ويتسحّر في ميعاد السحور ، ويصلِّي التراويح في أوقاتها ، وهكذا ؛ فينتظم كل أمر من أمور حياته، ولايبقى فوضويًّا كغيره من الإنسان .

       والصوم يُقَوِّي في الصائم الإرادةَ من خلال تربيته على الصبر على الجوع والعطش وما يَرْغَبُ فيه من المأكولات والمشروبات ولاسيّما في أيام الصيف ؛ حيث السموم اللافحة والشمس المحرقة التي تزيده عطشًا ، ولا يمنعه من الإصابة من الماء والمأكول إلاّ إرادتُه القويةُ المُتَمَثِّلَةُ في ضميره الواعي ووجدانه المُتَيَقِّظ .

       والصيامُ فضائله تَتَدَاعَىٰ؛ لأنها سلسلة متصلة بعضها ببعض ، إذا تَحَلَّى الصائم بإحداها، انجَرَّتْ أُخْرَاها ، فالصائم المخلص المحتسب يصبح على قمة من الفضائل الجمة التي لايجمعها إلاّ السعيد المستحق لجنة ربّه بإذنه ؛ لأن الرياضةَ الصياميّة لاتنقيه من الأمراض الجسمانيّة : «صُومُوا تَصِحُّوا» (وهو حديث مرويٌّ عن أبي هريرة رضي الله عنه رواه الإمام أحمد ورواه السيوطي باللفظ المذكور آنفًا، أما عند أحمد فالرواية: «سافروا تربحوا ، وصوموا تصحوا») والحرص والشهوة ، والإخلاد إلى المادة والمعدة وصفاء النفس من جميع الأقذار التي تفسد على الإنسان إنسانيتَه . وأكد العلماء أنّ الحرص والشهوة تُصَيِّرانِ الملوك عبيدًا والطاعةَ تُصَيِّر العبيد ملوكاً ؛ لأن الطاعة عزٌّ والمعصية ذلٌّ . جاء في بعض كتب التاريخ والتراجم : قال الإمام الزاهد الأوَّاب «الجنيد» (الجنيد بن محمد أبو القاسم الزجاج القواريري المتوفى 297هـ / 910م) : «أَرْقتُ ليلةً ؛ فقمتُ إلى وِرْدِي ، فلم أجد له الحلاوة التي كنتُ أجدها؛ فأردتُ أن أنامَ ، فلم أقدر ؛ فجلستُ فلم أُطِق الجلوسَ ؛ فخرجتُّ فإذا رجلٌ مُلْتَفٌّ في عباءة مطروحٌ على الطريق . فلما أَحَسَّ بي قال: أبا القاسم ! إلى الساعة ؟ فقلت : ياسيدي من غير موعد . قال : بل سألتُ الله تعالى أن يُحَرِّك لي قلبَك ؛ فقلتُ : قد فعل ، فما حاجتُك ؟ . قال: فمتى يصير داءُ النفس دواءَها؟ فقلتُ : إذا خالفتِ النفسُ هواها . فأقبل على نفسه ، فقال لها: اِسْمَعِي ، فقد أجبتُك بها سبعَ مرات ، فأبيتِ أن تسمعيه إلاّ من «الجنيد» ، ها قد سمعتِه . ثم انصرف وما عرفتُه» . (منبرالإسلام ، القاهرة ، ص 15 ، العدد (9) السنة (54) مقال الأستاذ محمد إبراهيم الخطيب : الصوم في حياة الفرد والمجتمع).

       ومن أعظم غايات الصيام ، هو تحقيق التقوى في الصائم ؛ حيث قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» (البقرة/183) وهي الغاية العظمى التي بيَّنها الله في معرض ذكــره فرضيــة الصــوم علينــا . والتقـوى هو مخافة الله ومــراقبتـــه في كل عمل ولدى كل خطوة، وتذكّر أنه يـــرانـــا في كل مكان وفي كل وقت . ومن يتحلَّ بالتقـــوى يبتعـــد عــن جميــع ما يُغْضِب اللهَ ؛ فهي أكبـــر قيمـــــة في حياة المؤمن ، وهــي أُسُّ الإخلاص ، والسم القاتل للـــرياء ، والحـــارس الكبيــر الواعي النشيط المتيقــظ للمسلم في كل لحظة من لحظات ليله ونهاره وجهــاره وخفائه ؛ فهو أمين في كل جانب من جوانب الحياة لايخـــون فيــه نفسَه ؛ فلا يخون غيرَه ؛ فهــو صــدوق مع نفسه ومع غيره ، وهو مخلص لله ولخلقــه ولنفســه ، وهو يزن الأمورَ كلَّها زنةً دقيقةً ، ويَتَّسِم بالاعتدال والتوسّط والخيريّة والاستقامة ؛ فلا يشذّ ولاينحرف، ولايتخطّى الحدودَ ولايتعدّى الحِمَىٰ، ولايخرج على ما رُسِمَ له ، ولا يُصَاب بالفوضويّة، ولايتعرّض للاضطراب وسوء النظام ؛ فيكون عبدًا صالحًا لله كلما كان وأينما كان ، يؤدِّي المسؤوليات ، ويقوم بالوظائف ، ويؤدّي الأمانة، ويشعر بالواجبات ، ويدفع الحقوق إلى أهلها ، ولا يتعوّد الأخذَ والمطالبة بالحقوق والحظوط فقط، وإنما يتعوّد قبل ذلك العطاءَ وبذلَ النفس والجهد والوقت والمال ، إذا احتاج لذلك .

 

(تحريرًا في الساعة 9 من صباح يوم الأحد : 27/ رجب 1428هـ الموافق 12/أغسطس 2007م)

نور عالم خليل الأميني

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . رمضان – شوال 1428هـ = سبتمبر – نوفمبر 2007م ، العـدد : 9–10 ، السنـة : 31.